
الابتزاز الإلكتروني.. جريمة صامتة تستهدف النساء في الفضاء الرقمي السوري
في السنوات الأخيرة تحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى ساحة خصبة لجرائم الابتزاز الإلكتروني، حيث يستغل البعض ثغرات الثقة والعلاقات الافتراضية للإيقاع بضحاياهم، مستندين إلى وعود زائفة أو خداع تقني يهدف في النهاية إلى السيطرة على الضحية وإخضاعها. وتُعد النساء الفئة الأكثر استهدافًا، إذ يعتمد المبتزون على تهديدهن بنشر صور شخصية أو محادثات خاصة مقابل الحصول على المال أو مطالب أخرى.
تقول “ريم” (اسم مستعار)، وهي طالبة جامعية، إنها تلقت رسائل من حساب مجهول يطلب منها مبالغ مالية مقابل عدم نشر صورها الخاصة التي سرقت من هاتفها بعد فقدانه: “شعرت أن حياتي انتهت، لم أستطع النوم لعدة أيام، لكن بدعم من عائلتي لجأت إلى مختصين وتمكنت من تجاوز الأزمة”، تضيف ريم أن تجربتها علمتها عدم الثقة بأي روابط تصلها عبر الإنترنت، وعدم الاحتفاظ بمواد شخصية على هاتفها.
أشكال الابتزاز الرقمي متعددة، تبدأ من اختراق الحسابات وسرقة الصور، وصولًا إلى إنشاء حسابات وهمية تستخدم لتوريط الضحية في محادثات ومكالمات قد تُسجّل لاحقًا. يقول “محمود” وهو ناشط في التوعية الرقمية: “أبرز أساليب المبتزين اليوم هو استخدام صور مزيفة أو مقاطع فيديو محرّفة بتقنية الذكاء الاصطناعي لإقناع الضحية بواقعة لم تحدث أصلًا، مما يضاعف الضغط النفسي عليها”.
ومع تزايد هذه الجرائم، برزت مبادرات أهلية في شمال سوريا لتوعية المجتمع، لا سيما النساء، بطرق الوقاية. إذ تعمل منظمات محلية على تنظيم ورشات توعوية تشرح للمشاركات كيفية ضبط إعدادات الخصوصية على فيسبوك وإنستغرام، وأهمية تفعيل المصادقة الثنائية للحسابات. كما يجري تدريب الفتيات على التعامل الفوري في حال التعرض للابتزاز، مثل التوقف عن التواصل مع المبتز، وعدم الاستسلام لمطالبه، وحفظ الأدلة الإلكترونية والتواصل مع الجهات المعنية.
من جانب آخر، تلعب الحملات الرقمية دورًا مهمًا في نشر ثقافة الحماية، حيث أطلق ناشطون مؤخرًا حملات تركز على إيصال رسائل مباشرة للنساء حول ضرورة عدم مشاركة أي صور أو معلومات خاصة عبر الإنترنت، مهما كانت درجة الثقة بالمُرسل. وتؤكد الحملة أن مواجهة الابتزاز تبدأ من الوعي المسبق بخطورته، وتجنب إعطاء المبتز فرصة للسيطرة.
تقول “سارة” (اسم مستعار)، وهي شابة في العشرينات ، إنها تعرضت لمحاولة تهديد عبر حساب وهمي: “في البداية خفت، لكني تذكرت ما تعلمته في إحدى الدورات، فقمت بتوثيق الرسائل والتواصل مع إدارة المنصة. بعد أيام أغلق الحساب وانتهت القصة”، وتشير سارة إلى أن الوعي كان السلاح الذي حماها من الانجرار وراء خوفها.
وتتيح معظم منصات التواصل الاجتماعي اليوم خاصية التبليغ الفوري عن الحسابات المسيئة أو التي تمارس التهديد، كما توجد مراكز دعم قانوني محلية تقدم استشارات للضحايا وترافقهن حتى إنهاء المشكلة. لكن التحدي الأكبر يبقى في كسر حاجز الصمت، إذ تميل العديد من الفتيات إلى إخفاء ما يتعرضن له خوفًا من الوصمة الاجتماعية، وهو ما يمنح المبتزين قوة أكبر.
يبرز الابتزاز الإلكتروني كأحد أخطر أشكال العنف الرقمي الصامت في سوريا، ولا سيما بحق النساء. ومواجهته لا تقتصر على التكنولوجيا وحدها، بل تبدأ من تعزيز ثقافة الأمان الرقمي، وتشجيع الضحايا على طلب الدعم وعدم الاستسلام للخوف، فالمعركة مع هذه الجريمة هي معركة وعي بالدرجة الأولى، وكلما زاد وعي المجتمع، تضاءلت فرص المبتزين في الاستمرار.