النساء فرائس في فخ التصيد الرقمي

في زمن أصبح فيه الأنترنت احتياجا لا يمكن الاستغناء عنه، ظهرت طرق احتيالية جديدة تعتمد على التلاعب بعقول الأشخاص وعواطفهم  للوصول إلى المعلومات الشخصية واستغلالها بطرق ملتوية. تُعرف هذه الأساليب باسم “الهندسة الاجتماعية”، وهي تعتمد على التلاعب النفسي بدلًا من الاختراق التقني المباشر، فيقع الأشخاص فريسة سهلة في يد المحتال.

لم تكن عائشة(اسم مستعار) لسيدة ثلاثينية أرملة نزحت مع طفلتيها قبل 7أعوام من ريف حلب الجنوبي إلى مدينة عفرين تعلم أنها ستتعرض يوما لأزمة نفسية بسبب جوالها. إذا كانت تشارك في مجموعة خاصة بالأرامل تتكفلها إحدى المنظمات الإنسانية وتقدم لها كفالة لابنتيها هيا ومرح.

عائشة التي كانت تعمل في مهنة الخياطة لسنوات لم تعد تقوى على احتمال الألم في ظهرها وتراجع بصرها. كما أن مصروف ابنتيها وإيجار منزلها زاد من متاعبها أكثر فأكثر، فاضطرت للبحث بين المجموعات النسائية عن مساعدات أو كفالات لبناتها.

بينما كانت عائشة هي ومجموعة من النساء الأرمل ضمن مجموعة واتساب مشتركة. أرسل أحد الأرقام رابطا يدعي أنه يجمع معلومات من أجل تقديم المساعدة. وبعد فتحها للرابط وإرفاقها لمعلوماتها ومعلومات ابنتيها وصورهن أدركت أن هناك أمرا غير طبيعي بعد أن أرسلت الرابط.

“اعتقدت أنهم يريدون التحقق لا أكثر فقمت بإرسال ما طلبوه” تقول هذه الكلمات وعلى ووجها آثار الحزن والندم رغم أنها تعرضت لهذا الموقف منذ فترة جيدة إلا أنها أدركت لاحقا المشكلة الحقيقة التي وقعت بها. بعدها توقفت عن التواصل معهم أو تلبية طلباتهم نهائياً، كما تقول.

هناك أساليب متعددة للهندسة الاجتماعية، منها محاولات الاحتيال عبر الرسائل الإلكترونية والمكالمات المزيفة، وقد تصل الأمور بالمحتال إلى استدراج الضحية والحصول على بيانات خاصة ومهمة، مستغلين حاجة الشخص للمساعدات النقدية أو غيرها. وغالبًا ما تكون النساء الفئة الأكثر عرضة لهذا النوع من الجرائم، كما حدث مع بعض ممن التقينا بهن.

لم تدرك “عائشة” خطورة ما وقعت فيه إلا عندما بدأ الشخص الذي أرسل الرابط بابتزازها مستخدماً صورها ومعلوماتها الشخصية للضغط عليها. بدأ الأمر بطلبات صغيرة، ثم تطور إلى تهديدات واضحة، مما جعلها تعيش في قلق دائم.

عائشة ليست الوحيدة التي تم خداعها بهذه الطريقة بل هناك العديد من النساء  تعرضن لحالات تواصل مشابهة بغرض خداعهن والوصول لصور وبيانات حساسة من قبل أشخاص يستغلون حاجة النساء للمال بسبب وضعهن المادي والاجتماعي مدعين تقديم المساعدات والمنح والكفالات المالية ويستخدمون شعارات المنظمات الإنسانية المختلفة مثل منظمة شفق وبنفسج وغيرها خلال سنوات الحرب في سوريا.

تعتبر الهندسة الاجتماعية أسلوب احتيالي  يستخدمه المخادعون لخداع الأفراد والتلاعب بهم للكشف عن معلومات حساسة أو القيام بأفعال تخدم المحتال. تعتمد هذه التقنية على استغلال الثقة، العواطف، أو نقاط الضعف النفسية للضحايا بدلاً من اختراق الأنظمة الإلكترونية مباشرة. في كثير من الحالات، يتم ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الاتصالات الهاتفية، أو البريد الإلكتروني، حيث يُقدم المحتال نفسه كشخص موثوق أو يستخدم سيناريوهات مُقنعة لخداع الضحية.

لجأت عائشة لإحدى صديقاتها التي أرشدتها للتواصل مع مختص بالسلامة الرقمية الذي كان له دورا في نصحها وإرشادها إلى عدم تزويد المبتز بأي معلومات أخرى مهما كان الأمر.

يقول حسن الحسين مدرب أمن رقمي الهندسة الاجتماعية تعني التلاعب النفسي بالأفراد وخداع عقولهم ودفعهم إلى الكشف عن معلومات حساسة أو القيام بأفعال قد تضر بهم.

ويضيف بأنها تعتمد على استغلال العواطف والثقة وقلة الوعي الأمني بدلاً من الاحتيال التقني المباشر كإرسال رسائل بريد إلكتروني أو رسائل مزيفة تدّعي أنها من جهات موثوقة، مثل مواقع التواصل، لخداع الضحية وإقناعها بإدخال معلوماتها السرية من صور ووثائق وأوراق ثبوتية من خلال التواصل مع الضحية والادعاء بأنه جهة موثوقة تقدم الدعم المالي أو غيره.

الهندسة الاجتماعية تقوم على الخداع أكثر مما تقوم على التقنية. المهاجم لا يحتاج أحيانًا إلى كسر كلمات مرور أو تجاوز جدران نارية، بل يكفيه أن يقنع موظفًا بفتح رابط مزيف، أو يدفع مستخدمًا عاديًا للإفصاح عن بياناته الشخصية عبر رسالة أو مكالمة هاتفية تبدو “شرعية”.

تعتمد الهندسة الاجتماعية على التلاعب النفسي، مستغلةً نقاط الضعف العاطفية والاقتصادية. بعض المحتالين يتظاهرون بأنهم يقدمون فرص عمل، كما حدث مع “رُبى”، بينما يتقمص آخرون شخصيات رومانسية، أو يقدمون أنفسهم كأشخاص موثوقين للحصول على معلومات حساسة.

كيف نواجه هذا التهديد؟

الوقاية من الهندسة الاجتماعية تبدأ بالوعي. لا توجد برمجية قادرة وحدها على إيقاف الخداع النفسي إذا لم يكن المستخدم يقظًا.

فالتأكد من مصدر الرسائل والروابط قبل النقر و عدم مشاركة المعلومات الشخصية إلا عبر قنوات موثوقة بالإضافة لتفعيل المصادقة الثنائية للحسابات الحساسة وتدريب الموظفين بشكل دوري على أساليب الاحتيال الجديدة من أبر  خطوات الحماية.

وبحسب المختصين يجب عدم مشاركة المعلومات الشخصية بسهولة أو إرسال صور أو بيانات حساسة لأشخاص غير موثوقين أو عبر منصات غير آمنة وضرورة رفع مستوى الوعي والتعرف على أساليب الهندسة الاجتماعية.

تساعد هذه الخطوات  النساء على اكتشاف محاولات الخداع مبكرًا، إضافة إلى طلب المساعدة عند التعرض للاستغلال وعدم السكوت عند الوقوع في الفخ، والتوجه إلى الجهات القانونية أو المجتمعية التي تقدم الدعم في مثل هذه الحالات.

وينصح المختص  بتعزيز الوعي الرقمي وإطلاق حملات توعية متخصصة يمكن أن يسهم في حماية النساء من هذه الظاهرة، إلى جانب تطوير القوانين لمحاسبة الجهات التي تمارس الاحتيال الرقمي. فكما أن الإنترنت أتاح فرصًا جديدة، فإنه أوجد أيضًا مخاطر تتطلب منا الحذر والوعي المستمر.

خلال السنوات الأخيرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تكررت حالات العنف الرقمي والهندسة الاجتماعية وخاصة لدى النساء والفتيات. إذ يتم استغلال قلة خبرتهم في الأمن الرقمي وحماية بياناتهم الشخصية في الإنترنت بشكل واضح.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى