قصة طالب طب قتل تحت التعذيب في سجون الأسد
في بداية سنة ٢٠١٢م اعتقل أخي حذيفة رحمه الله من المدينة الجامعية ..كنت يومها لازلت في دمشق..و بدأت رحلة العذاب و الإذلال لمعرفة الجهة ( السيادية،) ( الوطنية) التي ألقت القبض عليه..و محاولة تحريره من السجن بالرشوة..و لكن حال دون ذلك أنه كان طالبا في السنة الأخيرة في كلية الطب..و كانت هناك توجيهات صارمة و مشددة من ( القيادة الحكيمة ) بعدم قبول الرشاوي لذوي المستوى العلمي الرفيع مهما بلغت..و ما دون ذلك فالأأبواب مشرعة على كل أنواع الرشوى و الإبتزاز المادي و الجنسي..هذا بالضبط ما أنقله بكل أمانة عن مسؤول أمني رفيع وصلت لمكتبه بمساعدة بعض الأصدقاء..
و بعد عدة أشهر اتصل فيّ رقم غريب..تحدث شاب باختصار و اقتصاب :
_ أنت طراف؟
_ نعم
_اخوك طالب بكلية الطب؟
_ نعم
و أدركت أن الشاب تجنب ذكر اسم أخب لأسباب أمنية
_ خلينا نلتقى بحي باب توما بكرة الساعة ١٠
_ تمام.
لم أنم ليلتها..و عبثت برأسي الأفكار و الرؤى و الآمال و المخاوف..
ذهبت في الموعد إلى المكان المتفق عليه..جاءني شاب ثلاثيني
عرفته بنفسي..قال لي أنه من طرف حذيفة و أنه كان في المعتقل معه بنفس الزنزانة..و أخبرني أن حذيفة لقنه رقمي و حفّظه إياه غيبا لعدم إمكانية كتابته..فوجود قصاصة ورق مع أي معتقل كفيلة أن يتم إعدامه تحت التعذيب بكل سهولة..
كان حزينا ..و قلقا..
قلت له طمني..
سكت برهة..و قال ..على الله..لحد ما طلعت من شهر كان عايش..أرعبتني كلماته..
قلت له حدثني عن كل شيء..قال لا وقت لدينا..سأختصر..
طبعا كنا نقف في ساحة عامة مكتظة وسط دمشق
روى لي عن حفلات التعذيب اليومية و التي كانت أحيانا تخصص لأخي دون سواه..كيف يأتي المحقق ليقول : وينو الدكتور..بعتولي ياه..تعال يا ابن ال#$$ و أخو ال $$$$
و يأخذونه لساعات..و يعيدونه فاقد الوعي..
أخبرني عن قوة عزيمة أخي..و عن صبره و احتسابه ..و مرة أعادوه و على ساعده الأيمن جرح مشرشر و متهتك الحواف..يخترق الجلد و العصلات..و يصل للعظم..و ينز دما..
اخبرني أن أخي لم ينم ليلتها و هو يئنّ طول الليل و يهذي..و يده زرقاء تنز دما
…و في الأيام التالية صار المحقق ( الوطني البطل) يتعمد ضربه بكبل النحاس على نفس اليد و نفس الجرح..و يعود يوميا و هي تنز دما و قيحا…و يرمونه في الزنزانة..و كل يوم حالته تسوء..و يزداد هذيانه و ارتفاع حرارته..
أخبرني كيف أن بقية المعتقلين كانوا يبكون على حاله كلما أخذوه…و كلما أعادوه سحلا للزنزانة..
اخبرني أنه بعد اسبوع استجمع المعتقلون بقية شجاعتهم و طلبوا من السجان ان يحضر حب التهاب لمعالجة جرح يده التي بدأ الغانغرين و التموت ينهشها ..و يتركه في حالة هذيان من الحمى..
فقال لهم المحقق ( شريكي في الوطن ) بس فطس هالكلب خبرونا نشيلو..
قال لي انه خرج بعدها من السجن..و أن اكثر ما شفع له انه مسيحي..( من الأقليات،)..
قلت له : لماذا تخبرني كل ذلك؟
قال اخوك ترك أثرا لدي ّ و لدى كل المعتقلين في الزنزانة ..أثرا طيبا بحسن أخلاقه و صبره..و كان قد لقنني رقمك شفاها لأخبرك إذا خرجت أنه معتقل في فرع المنطقة..،( نعم فرع المنطقة..نفسه فرع مجزرة التضامن)..
وقال لي حاول بالواسطة ..بالرشوة..بأي طريقة كانت ان تدخل له إبر التهاب على الأقل..
و انتهى لقاؤنا..و غاب الشاب الشهم..ولم أره مرة أخرى..
و بعدها كل محاولاتي اليائسة لأصل لأخي باءت بالفشل…و انكر كل من وصلت إليه من ضباط و عناصر المنطقة وجود أخي عندهم..لنعلم بعدها بسنوات انها توفي ( بأزمة قلبية كغيره من المعتقلين )..و كان تاريخ وفاته بعد لقائي بالشاب المسيحي بأسابيع قليلة..
لماذا الآن؟
ربما لأن الجهة المنفذة لمجزرة التضامن هي ذات الجهة التي قتلت أخي تحت التعذيب…
و لأنني لم أستغرب تفاصيل مجزرة التضامن كغيري كثير من السوريين الذين يعرفون أن أجهزة أمن السلطة قادرة على فعل..بل و فعلت أكثر من مجزرة التضامن بكثير..
ولكن شاء القدر أن يتم توثيق مجزرة التضامن و ان تخرج للعلن..
لن ننسى..
لن نسامح..
سنورث الذاكرة لأجيال..
كتبها الدكتور طراف الطراف شقيق حذيفة