قصة نجاح
رهف الإدلبي
وجدت السيدة إيمان الأسعد، 42 عاماً، نفسها وحيدة غريبة بين أهلها، ضعيفة غير قادرة على إعالة أطفالها الخمسة، ومعهم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتصبح المهمة الموكلة إليها ثقيلة وموجعة كما وصفتها أنا خلال لقائنا بها.
تعرف السيدة إيمان عن نفسها بالقول: “إيمان الأسعد من مواليد كفرنبل، لا أملك سوى شهادتي الإعدادية. كنت أعمل ربة منزل كوني لا أعمل، وبقي حلم متابعة الدراسة لا يفارقني وأن يصبح لدي شهادة علمية مثل صديقاتي اللواتي أكملن دراستهم”.
وضع إيمان كان ككثيرات من النساء السوريات اللواتي يعتمدن على أزواجهن في إعالة الأسرة وتأمين الدخل المادي للعائلة والأطفال، وتقول: “حالتنا المادية كانت سيئة للغاية وتأزمت أكثر في الثورة بظل ظروف الحرب والنزوح والتشتت، ما جعلني أبحث عن أي شيء لفعله خصوصاً في فصل الشتاء، حيث قررت أن أقوم بنسج الصوف كونها مهنة أحبها كثيراً وقد علمتني إياها والدتي”.
توفي زوجها في عام 2016 بغارة جوية من طائرة حربية على مدينة كفرنبل استهدفت منزلها، وباقي أفراد عائلتها أصيبوا بشظايا وتضرر منزلهم. فقدت إيمان في الغارة المعيل الوحيد لها ولأولادها، وفقدت أيضاً المنزل الذي يؤويها، لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها مليئة بالقهر والحزن والانكسار، وتقول: “انتقلنا إلى منزل أخي الصغير، بقينا في منزله فترة طويلة. تخلى عنا الجميع بحجة الأوضاع المالية السيئة، لقد تكفل أخي الصغير بكافة المصاريف لعائلتي وخصوصاً تكاليف ولدي المعاق الكثيرة جداً”، وتضيف: “بعد فترة تغير الوضع، وبدأت زوجة أخي تتململ من وجودنا في منزلها، وأصبح وجودنا معهم أمراً غير مرغوب فيه. كنت أسهر كل ليلة أبكي من ألمي والوضع الذي نعيشه، وفي النهار كنت أنا وأولادي بمثابة الخدم للجميع، كان الوضع لا يطاق، وبسبب هذا الضغط أصبحت أشعر بتعب شديد جعلني أذهب للطبيب، ليتبين بعد الفحص الطبي أنه هناك مشكلة في أحد شرايين القلب، وبدأت حالتي الصحية بالتدهور تدريجياً، بعدها قرار الطبيب إجراء عملية جراحية لي في تركيا”.
دخلت إيمان إلى تركيا لإجراء العملية، وبقيت هناك مدة 15 يوماً، وخلال هذه الفترة التحقت ابنتها الكبيرة بدورة تدريبية أعلن عنها “مكتب تمكين المرأة” في كفرنبل في مجال الخياطة لمدة ثلاثة أشهر، وفي النهاية يتم إجراء مسابقة للمتفوقين ويدعمونهم لإنشاء مشروعهم الخاص، وبعد عودتها إلى سوريا انضمت لها، وعملت معها على مشروع التخرج، وتقول: “كان مشروع التخرج الخاص بنا هو تفصيل ثوب زفاف مرصع بالألماس، وكل واحدة مكتوب عليها اسم من أسماء المحافظات السورية، وحضرت المسابقة الكثير من الجمعيات والمنظمات، وتفاجأ الجميع بفكرة مشروعنا، واشترت جمعية تركية الثوب بمبلغ 1500 $ ، وذلك لدعمنا في البدء بمشروع الخياطة الخاص بنا”.
حصلت إيمان وابنتها على دعم مادي لإنشاء المشروع، واضطرت في الوقت ذاته إلى الذهاب إلى المخيمات في شمال سوريا، وسكنت مع أطفالها في خيمة، وأخذت خيمة أخرى لتضع فيها ماكينات الخياطة، وبدأت مع ابنتها بالعمل، وأصبحت مشهورة وذات سمعة جيدة جداً، وبدأت أمورها بالتحسن، وتوضح: “الوضع المادي تحسن وأصبحت أعتمد على نفسي بكل شيء، بعدها قررت الدخول في مجال التدريب المهني لأدرب الفتيات والنساء وأصنع منهن جيلاً ناجحاً يعتمد على نفسه في تأمين الدخل المادي في ظل أزمة النزوح والتشريد”.
تنصح إيمان كل امرأة سورية تهجرت وعندها معاناة أن تتعب على نفسها وتحقق شيئاً لذاتها.